هل المرأة أكثر عرضة للاكتئاب من الرجل؟ وأن كان ذلك صحيحاً فما هي الأسباب؟ ربما تكون هذه التساؤلات نقطة الانطلاق، ونحن نبحر في ملف الاكتئاب، وموقع كل من الرجل والمرأة على خريطته. هناك أمراض جسدية ونفسية عدة تختلف فيها نسبة إصابة المرأة عن الرجل، ومن هذه الأمراض الاكتئاب النفسي، إذ تشير البحوث العلمية التي أجريت في هذا المجال إلى أن ‘’معدل الاكتئاب لدى المرأة ضعف الرجل’’، وكان هناك اعتقاد في الماضي أن هذه النتائج ربما تكون خادعة، حيث أن المرأة أكثر تعبيراً عن حالتها النفسية من الرجل، وأكثر قبولاً للمساعدة الطبية النفسية، وهذا هو السبب وراء ظهور اكتئابها بينما لا يظهر بسهولة اكتئاب الرجل.. وقد أثبتت البحوث أن هناك زيادة حقيقية لا تقبل الشك في معدل الاكتئاب لدى المرأة. وهناك أسباب عدة تزيد من احتمالات تعرض المرأة للاكتئاب يمكن تلخيصها في التأثيرات الهرمونية على المرأة، إذ ان لهرمون الاستروجين والهرمونات الأنثوية الأخرى تأثيرات على نفسية المرأة، فمع بدء أول دورة شهرية تمر بتغيرات هرمونية تتغير معها كيمياء الجسد والمخ فتكون أكثر عرضة للتقلبات المزاجية والنفسية. ويزداد هذا الوضع مع الحمل والولادة. ومن الثابت علميا ما يسمى ‘’اكتئاب ما بعد الولادة’’.
فكثير من النساء نتيجة للتغيرات الهرمونية بعد الولادة يمرون بلحظات من المزاج المكتئب الذي قد يستمر فترات تصل إلى أسبوعين، وسرعان ما تعود المرأة إلى حالتها الطبيعية. ولكن قد تصل درجة هذا الاكتئاب إلى حالة مرضية تتطلب التدخل العلاجي عندما تؤثر حياة المرأة على رعاية وليدها وربما تصبح أكثر خطرا عليه.
وبعد انقطاع الدورة تعاني المرأة من آثار انخفاض مستوى هرمون الاستروجين في الدم، وتعاني في هذه المرحلة من المزاج المكتئب واضطرابات النوم والقلق وقد تظهر عليها أعراض اكتئاب مثل قلة الشهية والانعزال، وكل هذه التقلبات البيولوجية لا تدع للمرأة فرصة لالتقاط أنفاسها، وتشكل نوعاً من الضغط عليها إذا زادت عن حدود معينة تهيئها للإصابة بالاكتئاب.
ومن المهم ألا ننسى أن الوظائف التي تقوم بها المرأة لا تعرف الإجازات، لأن متطلبات الزوج والأولاد والأحفاد لا تنتهي، فهي لا تأخذ راحة أيام الجمع والعطلات، بل ربما تعمل أكثر في هذه الأيام من حيث تنظيف المنزل وإعداد الطعام للزوار من العائلة والأصدقاء، وهكذا بلا توقف. وحين يأوي الرجل إلى فراشه ليلاً لينام ربما تسهر المرأة لرعاية طفل رضيع أو العناية بطفل مريض، ثم أنها مطالبة بعد ذلك بالاستيقاظ في الصباح المبكر لإيقاظ أبنائها والذهاب إلى مدارسهم ثم تتهيأ هي للذهاب إلى عملها، وحين تعود إلى البيت في الثانية بعد الظهر لا تأوي إلى السرير لتستريح بل تتجه مباشرة إلى المطبخ لإعداد طعام الغذاء .
وحتى إذا فرغت من كل هذه الأعمال فإن عقلها لا يتوقف عن العمل، حيث انها أكثر إحاطة بتفاصيل الأشياء في المنزل من الرجل، فهي التي تعرف كل احتياجات البيت والأولاد بكل التفاصيل الدقيقة في حين أن الرجل لديه فقط فكرة عامة عن هذه الأمور ويستطيع في كثير من الأوقات أن يريح رأسه منها.
إضافة إلى أن المرأة معرضه بسبب ما ذكرنا للإصابة بالأنواع العامة للاكتئاب مثل الاكتئاب الجسيم (Major Depression), واضطراب اعتلال المزاج (Dysthymic Disorder). فإنها معرضة إضافة لذلك إلى أنواع أخرى من الاكتئاب خاصة بها كأنثى مثل اكتئاب ما قبل الدورة (Premenstrual Dysphoric Disorder) الذي يصيب نحو 30% من النساء، والاكتئاب أثناء الحمل (Depression During Pregnancy) والذي يصيب نحو 10% من النساء، واكتئاب بعد الولادة (Postpartum Depression) والذي يصيب من 10 الى 20% من النساء بدرجاته المختلفة، وأخيراً اكتئاب ما بعد الدورة الشهرية (Postmenopausal Depression) والذي يصيب 10 الى 15% من النساء في هذه المرحلة من العمر.
وطبقاً لدليل التشخيص الأميركي الــرابــع (DSM IV) يتم تشخيص الاكتئاب إذا توافر 5 أعراض أو أكثر من الأعراض الآتية: -
- مزاج اكتئابي معظم الوقت.
- انخفاض كبير في الاهتمامات أو الإحساس بالمتعة في ممارسة الأنشطة المختلفة.
- انخفاض واضح في الوزن، وفي بعض الحالات تكون هناك زيادة في الوزن.
- أرق في النوم أو زيادة في النوم.
هياج حركي مع الإحساس بعدم الاستقرار، أو خمول حركي مع الإحساس ببطء الإيقاع.
- التعب وفقد الطاقة.
- الإحساس بعدم القيمة، ولوم النفس والإحساس بالذنب.
- ضعف القدرة على التفكير وضعف التركيز والتردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
- التفكير في الموت إما بتمني الموت أو التفكير في الانتحار أو التخطيط له أو محاولة الانتحار.
واتباع قواعد التشخيص بشكل علمي يعطي فرصة لالتقاط حالات الاكتئاب وعلاجها، ويعطي فرصة للتفريق بين الاكتئاب مرضا والحزنا عرضا، فنحن كبشر يمكن أن نحزن ونتأثر وجدانياً ونفقد اهتماماتنا وحماسنا لبعض الوقت وتتأثر الشهية للطعام لدينا ونعاني بعض الأرق ونشعر بتفاهة أنفسنا أو تفاهة الحياة، ولكن هذا لا يصل إلى درجة المرض الذي يحتاج التدخل العلاجي الطبي.
من جهتها، تقول استشاري الطب النفسي شارلوت كامل إن ‘’معدلات انتشار الاكتئاب في البحرين لا تختلف عنها عالميا فمقابل كل رجل مصاب بالاكتئاب هناك امرأتان مصابتان به’’.
تضيف أن ‘’البحوث تعلل انتشار الاكتئاب عند النساء بأن المرأة أكثر تعبيرا عن مشاعرها وأحاسيسها، بينما الرجل يكتم مشاعره وبالتالي يكون أكثر عرضة للأزمات القلبية’’.
تتابع ‘’إلا أن المرأة بحكم تكوينها البيولوجي والتغيرات الهرمونية المستمرة أكثر عرضة لتأثر الجهاز العصبي المركزي ما يجعله أكثر قابلية للتعرض للضغوط النفسية. وإذا ما تزامنت هذه المؤثرات الشخصية الاكتئابية والظروف الاجتماعية غير المستقرة عندها تصبح المرأة معرضة أكثر للإصابة بالاكتئاب’’.
ويشتمل علاج الاكتئاب على مجموعة من الأدوية والجلسات النفسية ومنها:
- العلاج الدوائي بواسطة مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات أو رباعية الحلقات أو مثبطات امتصاص السيروتونين، أو الليثيوم.
- العلاج الكهربي بواسطة تنظيم إيقاع المخ وذلك للحالات الشديدة.
- العلاج الضوئي وذك في حالات اكتئاب الشتاء الموسمي.
- العلاج النفسي الفردي أو الجماعي.
- العلاج العائلي.
- العلاج الروحي.
ويستحسن أن يكون العلاج متكاملاً وشاملاً لجميع المستويات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية لكي يكون الشفاء كاملاً وممتداً. والخلاصة التي يمكن التأكيد عليها أن المرأة قد تكون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب نتيجة لأسباب عضوية ناتجة عن تكوينها البيولوجي وتذبذب الهرمونات الأنثوية وتغير مستوياتها مع مراحل العمر المختلفة، فضلا عن أسباب نفسية واجتماعية متعلقة بأدوارها المختلفة ومسؤولياتها المجتمعية، إضافة إلى الظروف الاجتماعية التي تحيط بها.