المراهقة (Adolescence)
المراهقة، مرحلة من الحياة تقع بين الطفولة التي تكملها هذه المراهقة وبين سنّ الرشد.
هذه المرحلة، التي يقال عنها إنها (مطلع الفتوة) تسمها تحولات جسمية وسيكولوجية: (إن موجة قاعٍ وجودية تقلب الحياة حاملة معها تجارب "المرة الأولى" التي يتردد صداها عميقاً في الوجود الصميمي وشدتها العنيفة أزمة وصدمة معاً)، يقول ي، ريسبال. ويحدث هذا الانتقال بين عالم الطفولة وعالم الراشدين، في حضارتنا، خلال سنين طويلة. وحدوده، الواقعة على وجه التقريب بين سن 12 إلى 13 وسن 18 إلى 20، يمكنها أن تكون صعبة التوضيح بدقة، ذلك أن سن المراهقة ومدتها تختلفان وفق الأعراف، والجنس، والشروط الجغرافية، وبخاصة الأوساط الاجتماعية الاقتصادية والثقافية. مثال ذلك أنها أطول بالنسبة لأطفال الأسر الميسورة، الذين يتابعون دراساتهم، منها بالنسبة إلى أولئك الذين يرغمون على العمل مبكراً. وكان ج. ستانلي هال (1904)، من جهته، يعتبر أنها كانت تدوم حتى السنة الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين من عمر الإنسان. والسبب أن المراهقة هي هذا الفاصل الزمني (الذي يقود من الاستعداد السيكولوجي البيولوجي إلى نضج القدرات الاجتماعي) ب. زازو، 1961.
ولا وجود للمراهقة في المجتمعات البدائية التي وصفها الإتنولوجيون كمرغريت ميد. فالفتيان البالغون يخضعون لطقوس المسارّة التي تجعلهم ينتقلون مباشرة إلى عالم الراشدين، حيث يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها الأكبر منهم. وأنماط هذه الطقوس معروفة مسبقاً، مع أن الاندماج بالراشد يحدث دون مشكل أو نزاع. وليس ثمة في البلدان السائرة في درب النمو، سوى حالتين أيضاً: فالأطفال لا يصبحون، حين يكبرون، مراهقين بل راشدين شباباً.
والمراهقة، في حضاراتنا، واقع أكثر اتساعاً وتموجاً بكثير من التحولات في الشكل والبنية وفي الفيزيولوجيا، الناجمة عن البلوغ. فالتفتح الجسمي ينشط مجدداً ويكثف الغريزة الجنسية والإحساسات الغلمية. وسيعبر المراهق مرحلة نرجسية سيشغله جسمه كثيراً، وسيسعى إلى تجميله وتزيينه (بحث عن الثياب ومستحضرات التجميل)، إلى لفت الانتباه إلى السمات المميزة لرجولته أو لأنوثتها. ويبذل جهده، ليتوطد بوصفه شخصاً، حتى يكون أصيلاً في تصرفه، ولغته، وكتابته، وتوقيعه، وأفكاره. وسيلذّ له، من جراء الشكل الجديد لذكائه، الذي يبلغ مرحلة المنطق الصوري، أن يصوغ المذاهب والنظريات، ويضع المشكلات الفلسفية موضع التساؤل، كانقضاء الزمان، بل الأخلاق أيضاً، والفن، والدين، والتنظيم الاجتماعي، الخ. وهذه المرحلة هي ايضاً مرحلة الاكتشاف الوجداني عن الوالدين، بالترابط. والمراهقة عصر الرفقة بامتياز، والصداقة والأثراء. والرفقة هي هذه الصلة التي توحد الأفراد الذين تعرفوا على تشابهات بينهم؛ وهذه التشابهات تخلق تضامناً وتماسكاً تعززهما بعض الاحتفالات التلقينية الساخرة للتلاميذ الجدد. وتتميز الصداقة بمعنى الصميمية والإخلاص. وينتظر المراهق على الغالب من الصداقة، بوصفه مثالياً ومشبوب العاطفة، أكثر ما يمكنها أن تعطيه، ولهذا السبب يعيش في بعض الأحيان خيبات أمل مأساوية تجعله مع ذلك يتقدم على طريق معرفة الذات وفهم الغير. وعلى مستوى متوسط بين الصداقة العسيرة والرفقة القاصرة، يوجد الأثراء الذين يقيم المراهق معهم علاقات يمكنها أن تكون دائمة أو عابرة داخل جماعة أو عُصبة.
ويمثل المراهقون، جراء أريحية عواطفهم وشدتها، جماعة اجتماعية غنية ودينامية يحاول رجال الدولة غالباً غوايتها وتعبئتها ليجعلوا سياستهم هي الظافرة. وتلك كانت حال هتلر، على سبيل المثال، الذي منحهم مكاناً مفضلاً في الاشتراكية الوطنية، وماو تسي – تونغ الذي جعل منهم سنان الرمح في (الثورة الثقافية البروليتارية (1965 – 1968). والرغبة في المطلق لدى المراهقين تقودهم بسهولة إلى التمرد، الذي ليس على الغالب سوى التعبير عن نفاذ صبرهم أمام مقاومة الراشدين للتغير الضروري، وثمرة سخطهم أمام التأجيل، والتبعية للماضي، وضروب عدم المساواة والظلم من كل نوع، التي لم يعد بالإمكان أن نجهلها مع وسائل التواصل الجماهيرية. ومطالبتهم بعدالة اجتماعية اكبر للسود في الولايات المتحدة الأمريكية، وافتتانهم بـ(شيء غيفارا) (روزاريو، أرجنتين، 1928 – بوليفيا، 1967) الذي كان يعلن وجوب خلق إنسان جديد، متحرر من كل أشكال الضياع، وإعجابهم بماو تسي – تونغ، هي النتائج المنطقية لإرادتهم، إرادة الانتماء إلى عالم الغد. ورؤيتهم هذا العالم قائمة على واقعين: أحدهما، موضوعي، مصدره فتوحات العلم التي ترينا عالماً متحولاً؛ والآخر، داخلياً كلياً، يستجيب للإسقاط الأريحي لوجود اجتماعي يحمله كل مراهق في ذاته. وبوسعنا، من وجهة النظر هذه، أن نقول أن اتجاه المراهقين المحير في بعض الأحيان يشرحه اندفاع حيوي نحو التقدم الضروري أكثر مما تشرحه (أزمة أصالة شبابية) أو (تمرد على الأب) فالمراهقة مرحلة تثير الحماسة وشاقة. تثير الحماسة، لأنها هي الفترة الزمنية التي تتنامى فيها الطاقات، ويكتشف فيها المراهق نفسه أنه قوي، ويعتقد فيها أن بوسعه تغيير العالم. وهي شاقة، لأن الرغبة في الاستقلال والحرية تتوافق بصعوبة مع التبعية المادية للأسرة. فالمراهقون يعيشون في مستويات من النضج مختلفة، ذلك أنهم لا يزالون أيضاً، وإن كانوا راشدين من الناحية الجسمية، تابعين جداً لمحيطهم وعطوبين من الناحية السيكولوجية. وهذا هو السبب الذي من أجله يحتاجون إلى أن يجدوا خارج أسرتهم بنية تربوية تتيح لهم أن يتفتحوا. ويمكن للمرء أن يخشى، في حال غياب تنظيم من هذا النوع، أن يمضي عدد غير المتكيفين إلى ازدياد، وأن، وهذا أمر يبدو لنا أكثر خطورة، تنطفئ حماسة الغالبية العظمى منهم، ويضيع غناهم الوجداني وتقتصر، أخيراً، تطلعاتهم على أن تشبع حاجاتهم الشخصية إشباعاً أنانياً. فالمراهقة، في مجتمعنا، تؤدي وظيفة ذات أهمية، وظيفة تعريف الفتيان، بين ضروب الكمون المعروضة، على إمكانات كل منهم، إمكانات ستتيح للأفراد أن يختاروا درباً وأن يدلفوا في عالم الراشدين.